قضايا تربوية
لم تكن المدرسة المغربية العمومية محط نقد و تشكيك حادين مثل
ما هي عليه خلال السنوات القليلة الأخيرة. فهي بالنسبة
للتقويمات الخارجية كتقرير البنك الدولي الصادر في 04 فبراير
2008 والذي وضع المغرب في المرتبة 11 من 14 دولة عربية تم
تصنيفها وفق مؤشرات تعميم التعليم و المساواة في الحصول عليه
والكفاءة والجودة فشلت في تحقيق أهداف "الميثاق الوطني للتربية
و التكوين". كما أن تلاميذ المدارس الابتدائية يقعون في
المرتبة الأخيرة وفق تقرير آخر للبرنامج الدولي لقياس القراءة.
أما منظمة الأمم المتحدة للتربية و الثقافة (اليونيسكو) فقد
سجلت مؤشرات عن عجز المغرب في ظل الاختلالات
المشار لها آنفا في تحقيق أهداف التنمية الألفية مع
حلول 2015.
هذا و فيما يخص التقويمات الداخلية فقد اصدر المجلس الأعلى
للتعليم تقريرا سنة 2008 حول "حالة المنظومة الوطنية للتربية و
التكوين و آفاقها" وسجل محدودية النجاحات التي تحققت خلال ثمان
سنوات من تفعيل الميثاق الوطني للتربية و التكوين و حذر من
وجود "تعثرات حقيقية".
و حسب خلاصة التقرير فانه " لا أ حد يمكنه اليوم أ ن
يتجاهل اختلالات منظومتنا التربوية الناتجة بالأساس عن عدد من
الإصلاحات المجهضة قبل أوانها.
أو المطبقة على نحو استثنائي, ........طالما رجح
اعتبارات ظرفية خاصة على حساب مصلحة المتعلمين." و استعرض
التقرير بعض هذه التعثرات كالهذر المدرسي و ارتفاع نسبة
الأمية, و محدودية التعليم الأولي, و ضعف التعلمات الأساسية
كالقراءة و الحساب و التحكم اللغوي و محدودية كفايات بعض
الخريجين لمتطلبات سوق الشغل, وعدم تقديم الدعم والتكوين
للمدرسين.
و من المعلوم أن الحكومة استشعرت الخطر لوجود هذه الاختلالات
الهيكلية في المنظومة, وبادرت إلى وضع خطة استعجاليه لإنقاذ
الإصلاح تمحورت حول أربع مجالات كبرى:
·
التحقيق الفعلي لإلزامية التمدرس إلى غاية 15 سنة من عمر
التلميذ.
·
حفز المبادرة والامتياز في
الثانوية التأهيلية والجامعة والتكوين المهني.
·
المعالجة الملحة للإشكاليات الأفقية الحاسمة لمنظومتنا
التربوية.
·
توفير الموارد اللازمة للنجاح.
ومن المؤكد أن المخطط الأخير يعمل على إعادة ترتيب الأولويات
وتمديد عمر الميثاق وعلى كل حال فقد يكون ,ومع الأسف الشديد,
مناسبة أخرى لتبديد مزيد من الموارد و الطاقة والوقت دون تحقيق
النتائج المرجوة التي تستجيب لحاجيات التنمية الشاملة.
وفي رأيي المتواضع فالمعالجات المستأثرة و الفوقية والكمية
و القطاعية ما زاد ت الطين إلا بلة. فلا يمكن معالجة
مشاكل التعليم في معزل عن المجالات السياسية و الاقتصادية و
الاجتماعية في المغرب. كما أننا في حاجة إلى تعبئة عامة وإرادة
مجتمعية شاملة تحرر الطاقات و تثمن الرأسمال البشري للخروج من
وهدة الانهزام النفسي وواقع
التخلف الجاثم قسرا على أمتنا. ولعل مداخل هذا التغيير
في نظري:
1.
إصلاح منظومة التعليم رهبن بالتغيير الديمقراطي و الاجتماعي أي
بتصحيح
الإختلالات التعاقدية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و
الثقافية. ( إسقاط الاستبداد و الفساد)
2.
إعمال الحكامة الجيدة من منظور شامل تحكم كافة مناحي الحياة
العامة تسندها إرادة سياسية وطنية, وإدارة كفأة, ومجتمع مدني
مستقل وتعتمد مبادئ المساءلة والمشاركة و الشفافية.
3.
ردم الهوة بين التعليم والعمل و التعليم والتنمية بانفتاح
المؤسسة التربوية على محيطها و ربطها بشراكات وشبكات عمل
إستراتيجية مع مراكز التكوين وسوق الشغل.
4.
تركيز الأهتمام على الرأسمال البشري باستعادة كرامة نساء ورجال
التعليم وإصلاح
الإدارة التربوية والمؤسسات الاجتماعية و النقابية .
إن
تحرير طاقات الإنسان المغربي مرتبط
بتحرير التعليم
من ربقة التبعية الاقتصادية و الاستلاب الثقافي للغرب
الاستهلاكي المادي ا لدوابي
و أملاءات مؤسساته التمويلية وشركاته الكبرى والتي تعمل
نهارا جهارا على تكريس النموذج الحضاري الوحيد و كذا تحريره من
مخالب نخب مغربة فرانكفونية مستبدة جعلت من المتمدرسين فئران
تجارب لمناهج وبرامج
يزري بعضها ببعض زارعة الفوضى و التشويش و العبث فما
نحصد إلا التردد و انعدام الثقة و اللامبالاة.
إن تحرير الأمة رهين بتحرير
التعليم .
|